کد مطلب:306584 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:161

مرض الزکیة یقض مضجع بیت الرسالة


.. و لم تلبث الزهراء فی حیاتها بعد وفاة أبیها، إلّا أربعین یوماً علی حد قول بعض الروایات.

و بما ان المصائب قد تكالبت علی عاتقاها، فأنها قد أخذت منها مأخذاً.. فصارت لا تقوی علی تقلیب جنبیها من وهون و اعیاء.

و وقف الزوج بجنب زوجته یغمرها بحبه، و كأنما الایام ابت ان تسالم هذا الرجل، الذی طالت اساءتها إلیه، أوتهادنه.. حتی ان فدحته بأعتی مصاب بعد رزئه فی رسول اللَّه.

فأن نبوء محمد حبیبه تملّكه الأسی، و تنشب حزناً فی قلبه.

اذ انه یری الفجیعة المخوفة باتت علی و شك الوقوع.

فقد حان اخیراً موعد اللقاء بین الاب وابنته.. فی دار سوی الدار.

.. و لم تغادر الزهراء نظراتها لعلی.. فمدت كفها الناحلة الیه، وهمست بهدوء:

- (صدق رسول اللَّه).. و علی یسمع هذه الكلمات.. فظل ساكتاً لا یقوی علی لفظ كلمة.. فتنوب عنه الدموع..

انه فهم ما تعنیه.. فقد حضرته الصورة القدیمة، الصورة التی ما فارقت الزهراء، یوم عادت الرسول فی بیت عائشة، فحدثها بما ابكاها، ثم بما اضحكها.

فكأن هذا كان بالامس.. ثم یلتفت أبوالحسنین إلی جانبه فیری ولدیه صامتین أمام رهبة ما یریان.. و قد جمدت الدموع فی مآقیهما.. و لا ادری ان كانا كذلك لانهما یریان المصیر، الذی سیؤول بأمهما.. ام لانهما یخافان ان یؤذیانها ببكائهم، أو بعبسة الم تصدر منهما.

ثم تنتقل النظرات والعبرات إلی زینب الصغیرة.


التی أقتسمت ملامحها من الجد و الأب و الام و الاخوین.

زینب التی لم تنتهل تماماً من حنان الام، لان الایام لم توصع لها ذلك.. بل لم تترفق بحداثة سنها، فكبرت سنینها القلائل هذه علی الحزان والدموع.. فصارت عالمة بخبایا الامور.. والمورثة من اُمها مالا یعلمه إلّا المعصوم.

.. فكان قلبها الصغیر السریع الخفقان یشعر بفداحة المصیر.

وها هی الآن راكعة عند قدمی اُمها. فیعیها ما تری فتحتفظ بالسكون.

لكن عبرتها لم تقاوم فتجهش باكیة صارخة بقوة.. فترتمی كعادتها علی صدر والدتها، كما تفعل كلما احزنها امر.. و تدفن وجهها فی الصدر الدافی ء، فتشعر بانفاسه المختنقة، فتذهب مرة اُخری فی نشیج مكتوم.

ثم تلوح علی وجه الام سحابة رقیقة مترفعة من الرثاء للبنت الصغیرة وللغلامین.

لكنها تبدو متحملة كل هذه الانظار الحزینة، التی تدور من حولها.. فی وجوه من تحبهم.

فیسرع الحسین إلی جانبها.. و یسعی الحسن لیتناول كفیها.

فتجتمع القبلات بقبلة لیطبعاها علی العیون التی ستفارقهم عما قلیل.. فیلثمان ایدها فی خشوع و أنّات و زفرات.

- (اُماه اُماه بالامس فُجعنا بجدنا والیوم أنت).

فیرتمی الجمیع فی الحضن الطاهر و تختلط مدامعهم بدموع اُمهم.. و هم ما یزالون فی دهشة.

- (اَو حقاً ستفارقنا اُمنا البتول).

و وئیداً وئیداً یترفق الاب بالاولاد حتی خلفوا المكان.. عند ذلك عاودت الزهراء حدیثها فی خفوت: